مواضيع الفوركس

2 دراسات اقتصادية حرب العملات… وصراع البقاء

حرب العملات
حرب العملات

 دراسات اقتصادية حرب العملات… وصراع البقاء

حرب العملات و إعتماد دولة ما على قوتها الاقتصادية لتقليص قوة تنافسية الدول الأخرى و تقليص حجم ثراوتها عن طريق إستخدام السياسة النقدية و التدخل في أسواق تبادل العملات أو سوق فوركس (سوق الصرف الأجني المعروف باسم الفوركس)، ليعد ذلك شكل من أشكال الحروب الاقتصادية الباردة من أجل تحقيق هدف محدد.

ويُعنى بهذا التعريف بشكل أبسط هو قيام بعض الدول حول العالم بإنتهاج سياسات من شأنها أن تقلص من قيمة عملتها المحلية وذلك من أجل دعم اقتصاداتها وكذا دعم القطاعات الرئيسية الأخرى لاسيما القطاعات التصديرية.

لكن هذا الإجراء يؤدي إلى تحقيق أرباح للدولة التي تقوم بخفض عملتها و الإضرار بمصالح الدول الأخرى إذا ما إستخدم على نطاق واسع حول العالم.

ومن الناحية التاريخية كانت بعض الدول تقوم بهذا الإجراء بهدف دعم الصادرات( عن طريق جعل السلع و الخدمات المصدرة أكثر تنافسية بسبب رخص ثمنها مقابل مثيلتها في الدول الأخرى) و كذلك بهدف القيام بتسويات ميزان المدفوعات.

ولا يجب أن ننسى أحد أشهر التدخلات كانت تحدث من قبل البنك المركزي الياباني و البنك المركزي السويسري في سوق الصرف الأجنبي.

 

أيضا البنك المركزي السويسري كان يتدخل عادة في سوق الصرف عندما ترتفع قيمة الفرنك السويسري بشكل غير مرغوب فيه من وجهة نظر البنك، وكلنا يعلم أن الاقتصاد السويسري من أحد الاقتصادات الصناعية وتعتبر الصادرات الداعم الرئيسي لتحقيق النمو.
وعلى الرغم من التدخلات التي تم عرضها فيما سبق لم تكن تندرج تحت مسمى “حرب العملات” بل كان أمراً مقبولا في الأسواق بل وعادة تكون متوقعة.

لأنها كانت تتم بشكل منفرد أي تتم على أساس رؤية وتقييم بنك مركزي واحد داخل دولة ما للأوضاع و الأحداث التي تحتم عليه التدخل من أجل تحقيق هدف معين خاصة أنه في بعض الأحيان تكون عملات هذه الدول مقيمة بأكثر من قيمتها، وفي الغالب يكون تأثير هذا التدخل مؤقتا.

وتنقسم أشكال التدخلات التي تحدث في سوق الفوركس بغرض خفض قيمة العملة الوطنية إلى تدخلات مباشرة و تدخلات غير مباشرة على أساس الإجراء المستخدم و مدى تأثيره:

1- تدخلات مباشرة:

وتنقسم إلى :

أ‌- يتدخل البنك المركزي في الأسواق مباشرة كبائع لعملته المحلية ومشترٍِِ للعملات الأخرى. وتقوم معظم البنوك المركزية في الدول ذات الفائض التجاري مع دولة أخرى (أي الدولة التي يكون بها حجم صادراتها أكبر من واردتها من دولة أجنبية أخرى) بإمتصاص التدفق النقدي الداخل من العملة الأجنبية نتيجة التصدير عن طريق شرائها بواسطة خلق وطباعة العملة المحلية، وينتج عن ذلك زيادة للمعروض النقدي من العملة المحلية ومن ثم الابقاء على سعر صرف العملة المحلية منخفض هذا من ناحية،

و من ناحية أخرى يقوم البنك بإستثمار العملة الأجنبية في السندات الحكومية أو في بنوك الدولة صاحبة العملة الأجنبية و الحصول على عائد في المقابل باستعمال توصيات فوركس .

(زيادة الطلب على العملة الأجنبية مما يؤدى إلى ارتفاعها وهو حرب العملات ).

ب‌- يقوم البنك المركزي بخفض سعر الفائدة الأساسي وبالتالي إنخفاض الطلب على العملة المحلية نظير إنخفاض العائد عليها مما يؤدي إلى إنخفاضها، لكن هذا الإجراء يعتبر كلاسيكا حيث تعمل البنوك المركزية على تحريك سعر الفائدة وفقا لما يتناسب مع إحتياجات وحالة الاقتصاد القائم.

2- تدخلات غير مباشرة:

وأيضا يتم تقسيمها إلى:

أ‌- تصريحات المسؤلين و القادة التي تُبث عبر وسائل الإعلام التي تتضمن إشارات مستترة حول إجراءات أو أحداث مستقبلية من شأنها أن تخفض من قيمة العملة و حرب العملات، وبالتالي يتم توجيه المضاربين و المستثمرين إلى ذلك الاتجاه.

ب‌- تطبيق سياسة التخفيف الكمي وهي عبارة عن قيام البنك المركزي بطبع كميات من أوراق البنكنوت و إعادة ضخها إلى الأسواق مما يعني زيادة المعروض النقدي.

وقد أستخدمت هذه السياسة على نطاق واسع بعد إشتعال الأزمة المالية العالمية، ففي عام 2009 قام بهذا الإجراء البنك الإحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) و البنك المركزي البريطاني و أيضا البنك المركزي الياباني.

وكان الغرض من هذه السياسة هو دعم القطاع المصرفي العالمي المتداعي خاصة بعد نقص السيولة الحاد الذي واجه هذا القطاع إثر أزمة الرهن العقاري التي إندلعت في آواخر عام 2008 التي نتج عنها أزمة سيولة و إئتمان خانقة.

وبالتالي فإن الغرض الأساسي لهذه السياسة هو مواجهة الأزمات المالية الحادة.

و السؤال هنا….هل يقف العالم على أعتاب حرب عالمية جديدة لكن هذه المرة “حرب عملات”؟

بدايةً…فإنه بعد إشتعال فتيل أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية في آواخر عام 2008 و إفلاس بنك ليمان براذرز و من ثم بدء إنهيار القطاع المصرفي و إنتشار تلك الأزمة لتمتد إلى باقي دول العالم، نتج عنها ركود و إنكماش إقتصادي عالمي حاد يعد الأسوأ منذ الكساد العظيم في الثلاثينيات من القرن الماضي.

وهنا لم يكن بوسع الحكومات و البنوك المركزية إلا التدخل في الأسواق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ومعاودة إصلاح الخلل الاقتصادي الذي أحدثته الأزمة.

لذا إتجهت البنوك المركزية إلى القيام بخفض كبير لأسعار الفائدة و كذا تطبيق سياسة التخفيف الكمي السابق الإشارة إليها. أما بالنسبة لأسعار الفائدة فقد وصلت إلى مستويات صفرية في بعض الدول مثل اليابان ( سعر الفائدة 0.0%-0.1%) و الولايات المتحدة الأمريكية (سعر الفائدة 0.0%-0.25%)، وفي اقتصاديات أخرى اقتربت من المستويات الصفرية كما في الاقتصاد البريطاني حيث وصل سعر الفائدة إلى 0.5%و منطقة اليورو إلى 1%.

وبالنسبة للحكومات فقد قامت باللجوء إلى التوسع في السياسة المالية عن طريق زيادة الإنفاق العام و خفض الضرائب، وهذه الإجراءات التي إتخذت من قبل الحكومات أو البنوك المركزية كان لها بالفعل التأثير الإيجابي على الاقتصاد العالمي حيث خرجت معظم الاقتصادات من دائرة الإنكماش الاقتصادي ولو بشكل مؤقت، وهو ما أدى إلى وضع الاقتصاد العالمي على بداية طريق التعافي شكلياً.

وعلى الرغم من أن الحكومات لعبت دوراً كبيراً في إنقاذ الاقتصاد العالمي من الإنهيار، إلا أنه كان لذلك ثمنا باهظا حيث بدأت الحكومات تشعر به في آواخر عام 2009 خاصة مع إعلان حكومة اليونان أحد أعضاء منطقة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) عن ضعف موقفها المالي و قد لا تتمكن من الوفاء بإلتزامتها من الديون ويعني ذلك سقوط الدولة في الإفلاس!!

وهنا قرع جرس الإنذار محذراً عن أزمة جديدة في طريقها إلى الظهور وهو الأمر الذي حدث بالفعل، حيث كان التوسع في الإنفاق العام يعتمد على قيام الحكومات بزيادة معدل الاقتراض (على سبيل المثال إصدار سندات لتمويل الإنفاق العام)، وفي ظل حالة من الركود الاقتصادي و انخفاض الإيرادات الحكومية أدى ذلك إلى حدوث فقاعة للدين العام و ارتفاع تكلفة خدمة الدين ومن ثم اتساع عجز الموازنة في العديد من الحكومات حول العالم.

هذا الأمر دفع الحكومات إلى إتجاه معاكس في عام 2010 ، إذ تم الإعلان عن تطبيق سياسات تقشفية حادة (أي معاودة خفض الإنفاق العام لتقليص عجز الموازنة).

وهو ما يعني إنسحاب الحكومات من مضمار دعم الاقتصاد بشكل مباشر وبالتالي هذا من شأنه أن يضع الاقتصاد العالمي على معاودة الدخول في الركود من جديد.

ومن ثم بدأت البنوك المركزية إلى إتخاذ سياسات أخرى كي تعوض تقلص الدور الحكومي و كذا الحيلولة دون السقوط في الركود مجدداً، خاصة أن الدعم الحكومي كان عامل رئيسي في تحقيق النمو بالعديد من الدول.

لذا هنا لم يتبقى أمام البنوك المركزية بعد إستخدام جميع الأدوات المتاحة ضمن السياسة النقدية (خفض سعر الفائدة وتطبيق سياسة التخفيف الكمي و ايضا سعر الذهب ) إلا الإتجاه نحو سياسة أخرى لدعم الاقتصاد، ألا وهي التدخل في سوق سعر الصرف و تخفيض قيمة العملة لدعم الميزة التنافسية للسلع و الخدمات التي تقوم بتصديرها.

ويتضح مما سبق تضاؤل الدور الحكومي وإزدياد مضطرد لدور البنوك المركزية حول العالم.

أين تكمن المشكلة؟!

بعد ظهور بوادر تعافي نسبياً للاقتصاد العالمي من آثار الأزمة المالية العالمية إتجهت الدول ذات العجز التجاري إلى التركيز على جانب الصادرات من أجل تنشيط القطاعات الرئيسية بها و تمكين الاقتصاد من خلق فرص عمل جديدة،

وكي تتمكن تلك الدول من تحقيق ذلك بدأت يتولد الاتجاه لخفض سعر صرف عملتها بشكل ممنهج وتحقيق ميزة تنافسية بحيث تصبح السلع و الخدمات المصدرة أرخص ثمنا عن مثيلتها في الدول الأخرى.

إلا أن مثل ذلك الإجراء سوف يؤثر سلبا على تنافسية السلع و الخدمات للدول ذات الفائض التجاري، والتي هي بالفعل تعد أرخص ثمنا عن الدول ذات العجز التجاري.

و الفائض التجاري يتحقق عندما تزداد صادرات دولة ما عن واردتها وبالتالي يصبح لدى تلك الدولة فائض من العملات الأجنبية و يتم إعادة إستثماره من جديد في الدولة المستوردة كي تحفاظ على قيمة عملتها الوطنية المنخفض.

بينما تنقسم الدول على مستوى العالم إلى دول ذات عجز تجاري ويعني أنها تستورد أكثر مما تصدر وهذه الدول على سبيل المثال لا الحصر هم الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا.

أما الدول ذات الفائض التجاري حيث حجم الصادرات لديها أكبر من حجم الواردات فهي تتمثل في دول مثل الصين و اليابان و اقتصاديات النمور الآسيوية مثل سنغافورة،وأيضا سوسيرا في أوروبا وكذا منطقة اليورو (منطقة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) تضم 16 اقتصاد) وإن كانت تضم دول ذات فائض تجاري مثل ألمانيا و دول ذات عجز تجاري مثل اليونان و أسبانيا.

إذا المشكلة تكمن في بدء توجه الدول ذات العجز التجاري إلى الاعتماد على الصادرات و الاستفادة من تعافي الاقتصاد العالمي كي تتمكن من دعم عملية النمو على الصعيد المحلي، إذ أن الفائدة الأساسية التي تعود من نمو الصادرات هو إعادة معدلات التشغيل و دورة الانتاج ومن ثم تقليص عدد العاطلين عن العمل و خفض معدل البطالة، وبالتالي تنتظم الدورة الاقتصادية من جديد.

ويلزم لتحقيق ذلك الهدف هو خفض قيمة العملة الوطنية أمام العملات الرئيسية الأخرى.

وهنا ظهرت بوادر النزاع بين الدول و تبدا حرب العملات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى